شباب «كفر الجمال» بالقليوبية يرفع شعار: «لا يأس مع إيطاليا»

شباب «كفر الجمال» بالقليوبية يرفع شعار: «لا يأس مع إيطاليا»

كتب دارين فرغلي ٢٤/٦/٢٠٠٨



سيد يروي قصة 4 محاولات
ليس من الصعب أن تدرك من الوهلة الأولي أن أبناء «كفر الجمال» التابعة للقليوبية قد فروا من هذا المحيط القروي الذي نشأوا فيه إلي إيطاليا، فبمجرد وصولك إلي الكفر وسؤالك أهلها لن تجد إلا جملة واحدة «مفيش بيت إلا وفيه شاب أو اثنين سافروا إيطاليا»، وبالرغم من ذلك فإن «أهل الكفر» يتحفظون كثيرًا عند سؤالهم عن أي معلومات عن أبنائهم خوفًا من القبض عليهم قبل وصولهم إلي إيطاليا.

في القرية تحدث البعض عن محاولات مستميتة قام بها شباب من قرية كفر الجمال للوصول إلي إيطاليا، وعن آلاف الجنيهات التي دفعها أهاليهم لسماسرة وعدوهم بتوصيلهم إلي هناك، وقصص عن أيام وليالي قضوها للوصول إلي ليبيا وشهور أخري هناك ينتظرون فيها إشارة التحرك من السمسار لينطلقوا إلي زورق صغير ويشاركوا مئات الشباب في رحلة بحرية مجهولة المصير نحو إيطاليا،

تحدثوا عن أسابيع وصفوها بـ «المرعبة» قضوها داخل مخازن في ليبيا منعوا أثنائها من الخروج وإلا ألقي القبض عليهم، ووصفوا الأيام التي قضوها مختبئين في زوارق مخصصة للصيد، نفد منهم الشراب والطعام وعلت من حولهم الأمواج وتحملوا كل هذا أملاً في أن تغفل عنهم أعين السلطات الإيطالية ويعبرون إلي هناك، وأخيرًا تشابهت نهايات تلك القصص، ففي كثير من الحالات لم تفلح الزوارق في الوصول إلي شواطئ إيطاليا وألقي القبض علي من عليها وترحيلهم إلي مصر، ولكن نهايات أخري كتبت لقصص من حالفه الحظ وتمكن من الوصول إلي هناك وإيجاد فرصة عمل فمعظمهم أرسل يطمئن أهله علي أحواله بخطاب وضع فيه مئات من عملة اليورو بل إنهم ساهموا في تنمية الكفر عن طريق اشتراكهم في «رابطة إيطاليا» والتي علمنا أنها تهدف لإقامة مشاريع تنموية ومساعدة المحتاجين من أهالي الكفر.

في البداية رفض عمدة الكفر الحاج إبراهيم علي إبراهيم الحديث خوفًا من التسبب في أذي الشباب ولكنه قرر في النهاية أن يتكلم وأن يقنع بعض الشباب ممن حاولوا السفر إلي إيطاليا أن يرووا لنا تفاصيل رحلاتهم مؤكدًا أن أعدادهم تزيد علي ١٠٠٠ شاب مهاجر.

قال العمدة إن هناك شائعة تقول إن أول مهاجر غير شرعي من الكفر لإيطاليا سافر مجاناً أثناء مباراة مصر وإيطاليا في كأس العالم لتشجيع منتخبنا ولكنه لم يعد مع المشجعين وقرر العمل هناك.

وأكد أن معظم مشروعات التنمية في الكفر تقام بالجهود الذاتية وتعتمد علي تبرعات الأهالي وشباب رابطة إيطاليا، مشيرًا إلي أنهم تمكنوا بتلك المعونات من بناء معهدين دينيين للطلبة في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية وبناء مسجد علي مساحة ٦٠٠ متر وتجديد المسجد القديم.

قال سيد محمد حسين - ٢٢ سنة: «حاولت السفر ٤ مرات وفي كل مرة يتم ترحيلي إلي مصر ولا أتذكر سوي تفاصيل الرحلة الأخيرة لأنها الأخطر وأضاف: «عرض علي أحد السماسرة أن يساعدني في الوصول إلي إيطاليا مقابل ٢٠ ألف جنيه، ووافقت بعد أن استدان والدي ١٠ آلاف جنيه من أحد أصدقائه مشترطًا أن يقوم والدي بالتوقيع علي إيصال أمانة وشيك علي بياض علي أن يستردهم بمجرد أن يحصل علي باقي المبلغ، بعدها سافرنا إلي ليبيا ومكثنا بها أسابيع لا أذكر عددها وجاء السمسار وأبلغنا أن موعد الرحيل حان وصعدنا إلي زورق ومعي ٦٠ مصريا أخرين وبمجرد أن بدأ الإبحار اكتشفنا أن الزورق به ثقب وبدأت الأمواج تعلو فلم نجد أمامنا سوي أن ننزل إلي البحر ونعود إلي الشاطئ مرة أخري فقامت السلطات الليبية بالقبض علينا وترحيلنا ولكن السمسار في كل مرة يعيد لي المبلغ الذي دفعته بعد أن يخصم مصاريف السفر والإقامة في ليبيا».

لم يبد سيد أي اعتراض علي محاولات السماسرة إقناعه بالمحاولة الخامسة، وبرر ذلك بقوله: «أنا باحلم بالسفر إلي إيطاليا كل يوم علشان أهرب من الخنقة هنا وعاوز أبقي حر نفسي وأكسب فلوس كتير زي الذين سافروا هناك.. أنا مستعد أتعب هنا بس بشرط إني ألاقي مقابل تعبي لكن أنا مجرد عامل بناء يوميته ٣٠ جنيهًا تفتكروا لو حصلي أي حاجة هلاقي حد يصرف علي؟».

أما محمد عيد - ٢٤ سنة عامل بناء - فحاول أن يقنع أصدقاءه بالابتعاد عن فكرة السفر إلي إيطاليا بعد أن فشل ٣ مرات ولكن المرة الأخيرة كانت السبب - علي حد قوله - في أن يرفض محاولات السماسرة إقناعه بالسفر، وقال: كل مرة كنت أعطي السمسار ١١ ألف جنيه مقابل أن يوصلني إلي إيطاليا وكان الاتفاق بيننا أن يعيد لي المبلغ في حالة عدم وصولي إلي هناك،

وفي المرة الثالثة قمت ببيع شبكة زوجتي لتدبير المبلغ، وبالفعل سافرت مع بعض أبناء الكفر بصحبة السمسار إلي ليبيا، وهناك طلب منا الصعود إلي جرافة صيد وبدأنا في التحرك باتجاه إيطاليا وكان عددنا يقترب من الـ ٨٠ مصريا، وطلب منا سائق الجرافة أن نظل في أسفل الجرافة حتي لا ترانا السلطات الإيطالية وكانت الأماكن التي نجلس فيها ضيقة للغاية بحيث يصعب التنفس،

وفجأة بدأت الأمواج تعلو بطريقة مخيفة وشعرنا برعب شديد وظللنا علي هذا الحال ٣ أيام حتي نفد الطعام وتمنينا أن ترانا السلطات الإيطالية لتنقذنا فلا سبيل أمامنا الآن سوي الموت، وفي طريقنا للخروج من كفر «الجمال» استقليت أحد الموتوسيكلات المنتشرة هناك والمخصصة لنقل الركاب من داخل الكفر إلي طوخ مقابل ٥٠ قرشًا، وقال لي السائق إنه حاول الوصول إلي إيطاليا ٣ مرات ولكنه فشل في الوقت الذي نجح فيه اثنان من أخوته في الهروب والعمل هناك، وعندما سألته إذا كان يفكر في تكرار المحاولة مجددًا، ارتسمت علي وجهه ابتسامة ورد قائلاً «هو إحنا ورانا غير إيطاليا».